الأحد، 13 مارس 2011

مدارس علم النفس المعاصر (1): البنيوية و الوظيفية


حليمة بلعربي - شبكة نقطة - يُحَدَّد مفهوم “المدرسة” في علم النفس بمجموعة من المبادئ التي يتبنّاها نفسانيون يدافعون عنها علميا ويدعون إليها. غالبا ما يكون لهذه المدرسة قائد أو رائد من روادها.
ظهرت أغلب مدارس علم النفس المعاصر في الفترة ما بين 1910 – 1940 ثم انبثقت منها عدة مدارس فرعية أخرى.
من أهم ما ميز النشاط السيكولوجي خلال المدة الزمنية التي أعقبت استقلال علم النفس عن الفلسفة واستمرت نصف قرن من الزمن، ذلك الجدل القائم بين دعاة دراسة محتوى الوعي وبنيته من جهة، إضافة إلى أصحاب الإتجاه الوظيفي الذين ألحوا على دراسة نشاط الوعي وفوائده.
المدرسة البنيوية أو البنائية كما يسميها البعض اهتمت أساسا بفهم الإحساس والشعور إضافة إلى بنية العقل. من روادها الفيلسوف الإنجليزي تيتشنر تلميذ فونت الذي واجه معارضة شديدة لأفكاره من طرف السيكولوجيين الذين اهتموا بفهم وظائف الشعور وتوظيف علم النفس في حل مشكلات الحياة، وذلك لملازمته التامة لمعلمه وتبنيه لأفكاره حتى الممات، فونت الذي فقد ثقة تلامذته بعد أن استحال تطبيق مشاريعه البحثية على أرض الواقع.
كرد فعل على ما روجته المدرسة البنائية، تأسست المدرسة الوظيفية في الولايات المتحدة الأمريكية. وترجع جذور هذا الإتجاه إلى أعمال العالم الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس الذي وصف الحياة العقلية كتيار من التجارب الواعية، مؤكدا أن للعمليات النفسية أهمية كبيرة بغض النظر عن بنيتها.
في الوقت الذي كانت البنيوية تحاول البحث في ماهية العقل فإن الوظيفية عملت على فهم كيفية توظيف العقل والمُلاحظ أن الإبتعاد عن البحث في ماهية الشعور وتركيز البحث عن وظيفته أقرب إلى التناول التجريبي الذي يبتعد عن التناول الفلسفي (النظري). رغم هذا التناول إلا أن الوظيفيين بقول أوفياء لدراسة العقل من حيث توظيف عملياته المختلفة في حل المشكلات مع الإيمان بالطبيعة المتكيفة للشعور.
من رواد هذا الإتجاه جيمس أنجل وهارفي كير أستاذي علم النفس بجامعة شيكاغو.
إن ما توصل إليه رواد الإتجاه الوظيفي من وصول لصورة متكاملة عن التوافق النفسي ساهم ظهور تيارات فكرية أخرى، تنادي هي الأخرى بضرورة دراسة مكونات النفس البشرية، كدليل آخر على أهمية علم النفس.
عن محاضرات علم النفس – بتصرف

السلوك الإنساني ... بين السواء و الشذوذ

بلعربي حليمة - شبكة نقطة - كثيرا ما يجد الفرد معوقات تحول بينه وبين التوافق مع بيئته ومحيطه الاجتماعي في سعيه لإرضاء تلك الرغبة التي تنطلق من داخله تجاه الآخر بغية إحداث أكبر قدر من التقارب. وغالبا ما يكون الفرد نفسه سببا لهذه المعوقات عند عجزه عن وضع سلوكاته ضمن نسق سوي، فيقيم أداؤه على أنه انحراف أو شذوذ يرتبط تحديد هذه المفاهيم بعلم النفس المرضي أو ما يسمّى بعلم نفس الشواذ، حيث يدرس هذا الأخير الإضطرابات الوجدانية، العقلية، السلوكية والنفسية الإنسانية.
أشهر تعريف للسلوك المرضي هو الذي يرى أن السلوك عبارة عن شذوذ أو انحراف عن المعايير التي يتبناها مجتمع ما. ورغم شيوع هذا التعريف المختصر فإنه لا يعتبر تحديدا دقيقا للمفهوم، إذ ليس كل شذوذ أو انحراف عن المعايير سلوك مرضي، فالعبقري مثلا يقع خارج دائرة السلوك المعياري (للذكاء مثلا) لكنه لا يعتبر مريضا.
هناك تعريف آخر يحدد السلوك المرضي على أنه سلوك لاتوافقي أي السلوك الذي تكون له انعكاسات سلبية بالنسبة للفرد والمجتمع. وبناءا على هذا التحديد فإن المرض النفسي هو العجز عن السلوك المقبول اجتماعيا حيث تكون لذلك انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع. قد يكون هذا العجز انعكاسا لعطب عضوي، أو خلل وظيفي، وقد يكون ترابطا بين هذا وذاك كما يؤكد بعض العلماء.
يبدو أن تحديد السلوك السوي واللاسوي من أصعب الأمور، ذلك لأن عوامل التنشئة الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المستويات الحضارية، بتنوع الثقافات والديانات. فما يبدو في مجتمع ما بأنه سلوك لاسوي قد يكون في مجتمع آخر سلوكا عاديا ومقبولا حسب الدراسات الأنثروبولوجية.
لكننا نستطيع القول أن العرف والمعايير الإجتماعية في سياق اجتماعي معين هي التي تحدد طبيعة السلوك من حيث الشذوذ أم السواء. وغني عن البيان أن المعايير الإجتماعية والسلوكية تتحدد بدورها بفعل التفاعل الإجتماعي الذي يحدث بين الأفراد والجماعات في إطار ثقافي، حضاري وديني معين.

الدوافع و الحاجات النفسية


بلعربي حليمة - شبكة نقطة - يعرف علم النفس بأنه علم يدرس السلوك و ينبغي أن نعرف بأن وراء كل سلوك دافع. بناءا على هذا الأساس يمكننا أن نتساءل عن معنى الدافع؟ فعلى سبيل المثال إذا رأينا شخصا منطويا
على نفسه ينبغي ألاّ نصدر الأحكام ضده بل يجب أن نتساءل عن الدافع وراء ذلك ونبحث فيه من خلال ملاحظته ودراسته.
يعرف الدافع على أنه حالة من التوتر النفسي والفيسيولوجي قد يكون شعوريا أو لا شعوريا، يدفع بالفرد إلى القيام بأعمال ونشاطات وسلوكات لإشباع حاجات معينة للتخفيف من التوتر ولإعادة التوازن للسلوك أو للنفس بصفة عامة.
من أمثلة ذلك على المستوى الفسيولوجي قيام كريات الدم البيضاء بتجديد الأنسجة التالفة، فإذا ارتفعت درجة حرارة الجسم عن حد معين ابتدأ هذا الأخير بالتعرق لخفض درجة الحرارة…
يقسم الباحثون الدوافع إلى: دوافع شعورية، دوافع لاشعورية، وقد تكون هذه الدوافع فسيولوجة، نفسية أو اجتماعية أو اجتماعية نفسية. الدوافع الفسيولوجية تتمثل أساسا في الجوع، العطش، التنفس، الإفرازات، تجنب الألم.. وتتميز بكونها فطرية، تحدث نتيجة اختلال التوازن العضوي والكيميائي للبدن.
أما الدوافع النفسية كما يوردها أبراهام ماسلو وغيره من النفسانيين أنها الحاجات المتمحورة حول الأمن، الحب، احترام الذات وتأكيدها. ويكاد يهمل هؤلاء السيكولوجيون الحاجات الروحية كالحاجة إلى الإيمان والعبادة و الدعاء…
سلّم ماسلو
سلم ماسلو لترتيب حاجات الانسان التي تدفعه للتصرف وفقها
لايبدو للدوافع النفسية أسسا فطرية واضحة ولاعوامل بيولوجية ظاهرة، غير أن للثقافة والتربية دورا هاما في أنماط ونماذج ظهور هذه الدوافع.
ينبغي أن نشير أيضا للدوافع اللاشعورية وتأثيرها على سلوك الفرد، فقد تبين لعلماء النفس أمثال فرويد أن عصاب الهستيريا(Hysteria)* والرهاب(Phobia)** تنشأ عن الذكريات المكبوتة في اللاشعور لخبرات قديمة حدثت في فترة الطفولة.
قد تظهر الدوافع اللاشعورية المكبوتة في الأحلام، زلات اللسان أو القلم، الآليات الدفاعية (Defending mechanisms)*** وغيرها من الإضطرابات التي يلجأ لها الفرد للتخفيف من القلق الناتج عن الصراع النفسي .
إن ادراك الموقف بأبعاده الزمنية، المكانية والإنفعالية هو العامل الأساسي المساعد على معرفة الدوافع المحركة لسلوك الإنسان.
من الناحية النظرية فإن موضوع الدوافع قد أصبح مجالا لصياغة عدة نظريات تفسر الأسس المختلفة للدوافع والمكانيزمات التي تقوم عليها، أما من الناحية التطبيقية فإن فهم موضوع الدوافع والآليات التي تقوم عليها مكّن الباحثين والإداريين من تخطيط برامج تحفيز الأفراد في المجالات المختلفة مهنية، تربوية.. لبذل جهد أكبر في سبيل تحقيق نتائج إيجابية في المجالات سالفة الذكر.
هي مرض نفسي عصابي تظهر فيه اضطرابات انفعالية مع خلل في أعصاب الحس والحركة: Hysteria*الهستيريا
مرض نفسي ويعني الخوف الشديد و المتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص:Phobia **الرهاب
عملية دفاع ينشئها الأنا تحت ضغط الأنا الأعلى و الواقع الخارجي = Defense mechanisms***الآليات الدفاعية

تاريخ الدراسات النفسية

حليمة بلعربي - شبكة نقطة - لطالما اعتبر القدماء الشخصية، الحس، الفكر وغيرها من العناصر البشرية تسكن الصدر والبطن، تخيلوها أبخرة تدخل الجسم من الفم والفتحات الهوائية، أمّا عند الموت تترك الجسد من قمة الرأس.
صنّف الفلاسفة اليونانيون هذه العناصر إلى قوى أساسية : القوة العاقلة أو الناطقة، القوة البدنية أو الشهوانية، والقوة الغضبية. في أول محاولة لوضع مفهوم واضح لهذه القوى قام أرسطو بتأليف كتاب أسماه النفس، قال فيه أن “القلب موطن الروح وعاصمة الجسد”، مسندا له مهام الحس والفكر والحركة وتوليد الطاقة الحرارية،في حين اعتبر الدماغ أداة تحافظ على البرودة الكافية في القلب لضمان نشاط فكري أفضل.
لقيت نظرية أرسطو بانتقاد شديد، حيث كتب عنها الطبيب الإغريقي جالينوس قائلا “يخجلني حتى اليوم أن أستشهد
يأتي بعد ذلك إسهام العلماء المسلمين في موضوع النفس وما ارتبط بها من مفاهيم، حيث اعتُبر الرازي أول الأطباء و الفلاسفة المسلمين الذين تعمقوا في مفهوم النفس، وفق ما جاء في كتابه “الطب الروحاني” كتأييد للتقسيم اليوناني للنفس، غير أنه أضاف إلى ذلك تصنيفا أكثر دقة لمراكز نشوء السلوك الإنساني اعتمادا على الغدد . فقد ربط القوى الغضبية بالقلب، القوى البدنية بالكبد، والقوى الناطقة بالدماغ .
عارض الفيلسوف العراقي عبد الحميد الكرماني هذا التقسيم فقد رأى أن النفس البشرية واحدة بالذات وما أطلق على أقسامها كان حريّا أن يمثل وظائفها .
أما ابن سينا فقد وضع تعريفا شاملا للنفس أورد فيه أنها جوهر قائم بذاته (أي أنها وحدة واحدة) وهي صورة من حيث صلتها بالجسم، ثم يصفها بأصل القوى المدركة، المحركة و المحافظة على مزاج الإنسان، وأنها أصل تصرفات البدن. ممن أخذوا عن ابن سينا وعاصروه العالم الفارسي مسكويه، فقد أثرى هذا الأخير ما توصل إليه أسلافه من العلماء حين ربط بين وظائف النفس وفضائلها، فاعتبر الحكمة فضيلة القوة الناطقة، والعفّة فضيلة القوة البدنية، والشجاعة فضيلة القوة الغضبية، واجتماع كل القوى فضيلته العدالة، والمتأمل هنا يجد أن ما توصل إليه مسكويه لا يختلف عمّا سيسميه لاحقا رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد بال”أنا الأعلى” والذي يمثل القيم و المبادئ و الأخلاق الحميدة(الضمير).
إن ما توصل إليه العلماء المسلمين في موضوع النفس، وعلى الرّغم من كونه لم يخرج عن إطار الطب والفلسفة يعتبر مدرج انطلاق العلماء النفسانيين المعاصرين للتأسيس لعلم نفس مستقل.